02.ديسمبر 2025

لحظة صمت

 

وصلنا إلى المستشفى كأي مرة نقوم فيها بمهمة، لكن في ذلك اليوم كان هناك صوت صراخ عالٍ وبكاء مستمر، لكننا دائماً نشعر أنّه جاء دورنا لنوقف الحزن ونبدأ "زيارة السعادة والضحك".

دخلنا الغرفة لنرتدي الزي المخصص، وبدأت أنا، الدكتورة لحظة، وزميلي الدكتور سمسم أبو كعكة، بالتجوّل وزيارة الأطفال في الغرف، لكن صوت الصراخ لم يتوقف، فقررنا الاستمرار نحو الغرفة التي نقش رقمها في ذاكرتي: غرفة رقم ٣.

عند دخولنا، قابلتنا الممرضة بصوت خافت وقالت لنا: "لا أحد استطاع تهدئته، حاولت منذ الصباح إعطاءه العلاج لكنه رافض."
أجبناها بهدوء: "لا تقلقي"، وألقينا عليه نظرة وابتسامة لتطمئنه.

من داخلي شعرت بلحظة صمت، لأن الطفل كريم كان يعاني من صعوبة، لكنني لن أحكيها الآن إلا في نهاية القصة، لتعرفوا الأثر الذي تركناه فيه رغم كل الصعوبات الموجودة، هذا الشيء جعلني أصر على أن أجعله سعيداً، وألا أخرج من الغرفة قبل أن أكون قد أنجزت المهمة.

بدأنا بالغناء بصوت منخفض:
"هالصيصان، شو حلوين، عم يدوروا حول أمهم مبسوطين، ما بخافوا لا لا، شو ما شافوا لا لا، أمهم حدهم وهم حد فرحانين…"

وبدأ صراخه يخف شيئاً فشيئاً. كلما ارتفع صوت الموسيقى، توقف الصراخ تماماً، استمر صوت الغناء والموسيقى، وبدأ كريم يضحك ويصفق بيديه للأطفال الصغار حوله، كانت نظرات والدته كلها سعادة وفرح، وسمعنا ضحك الممرضات اللواتي جئن لرؤية كريم وهو يضحك.

في تلك اللحظة، استغلت الممرضة الموقف وأخذت درجة حرارة كريم، وبعد كسرنا للحواجز بالموسيقى، بدأنا ننشر الفكاهة ونجري حديثاً لطيفاً معه.

بدأت أستخدم الأدوات التي معي لزيادة تفاعله، كان معي منديل أحمر شفاف، كنت أمرره على يده، يطير فوقه وينزل على شعره، وكان كريم مبسوطاً جداً ومتفاعلاً، سألنا أسئلة وجعلناه يشعر بذكائه وقدراته، وكان يربح في كل مرة.

للعلم، كريم كان ضريراً، لم يكن قاداً على رؤيتنا بعينيه، لكنه كان قادراً على سماعنا والإحساس بنا عبر الموسيقى والتواصل الذي حصل بيننا.

خرجنا من الغرفة ونحن نشعر بالفخر، ولا أخفي عنكم أن دموع الفرح كانت في أعيننا، لأننا حولنا طفلاً حزيناً، غير قادر على رؤية النور، إلى طفل سعيد زرعنا النور بداخله.

 

abaton-monitoring