الأنف السحري
في أحد الأيام دخلتُ إلى المستشفى مع زميلتي المهرّجة الطبية الدكتورة لطيفة، كان هناك أمّ وأب يجلسان مع ابنهما، ولم نكن قد رأيناهم من قبل، كانت لحظة قاسية جداً؛ الأم تبكي، والأب مصدوم لا يتفوّه بكلمة، الطفل خائف، يحدّق فيهما وفي الفراغ من حوله دون أن يتكلّم، فقط ينتظر.
بعد أن غيّرنا ملابسنا وارتدينا زيّ المهرّجين الطبيين، بدأنا جولتنا، وتوجّهنا إلى هذه العائلة التي كانت موجودة في قسم هدى المصري في غرفة الانتظار، اقتربتُ من الأم وبدأت أتحدث معها، فلم تردّ عليّ، وكذلك الأب، أمّا الطفل فبدأ يروي قصّته قائلاً: "أنا جديد هون… بيحكوا إنو يمكن يكون معي سرطان، أخدوا مني دم وقاعدين بفحصوه، وأنا قاعد بستنى النتيجة أنا وأهلي… يا رب ما أكون مصاب." قلنا له: "إنت عم تستنى إشي صعب، وبنعرف… بنعرف إنه بخوّف، بس إن شاء الله ما بتكون مصاب وبتروح عالبيت مرتاح ومبسوط، ولو — لا سمح الله — طلعت مصاب، رح تصير منيح وتطيب.
خلي معنوياتك قوية وعالية، لأنّ هالمرض قوي… بس إنت أقوى منه، صح؟" عندها بدأت الأم تبكي أكثر فأكثر، وكذلك الأب، نظرتُ في عينيها وبدأت أغنّي لها: “فوق النخل فوق… يا با فوق النخل فوووق… وما أدري لمع خدّك يا با… ما أدري القمر فوق… والله ما ريدا…” كانت الأم تحت ضغط كبير، والجميع كان متوتراً، لكن فجأة بدأت تضحك وتبكي في الوقت نفسه، وكذلك الأب، نظر الطفل إلينا، فتح عينيه على آخرهما، وبدأ يضحك، ثم طلب أن نلعب ونغنّي سوياً، في تلك اللحظة اكتشفنا كم تؤثّر طاقة الأهل في نفسية أطفالهم، وكم يحتاجون إلى دعم معنوي حقيقي من والديهم.
للأسف، تبيّن لاحقاً أنّ الطفل مصاب، لكنّه تعلّق بنا كثيراً، وخصوصاً بي أنا "الدكتور شلبي"، لأنّي أحدثتُ تغييراً كبيراً في حالة والدته، وبدأت تتحسّن يوماً بعد يوم، وصار كلّما زار المهرّجون الطبيون المستشفى يقول: "أنا بدي الدكتور شلبي" وحين أذهب لزيارته بنفسي، كان المستشفى كلّه يتغيّر، يمتلئ بالضحك والرقص والحب، والحمد لله، الآن أصبح الطفل أفضل بكثير، وغادر المستشفى وعاد ليكمل حياته بشكل طبيعي، كأي طفل مرّ بتجربة صعبة ثم نهض ليبدأ من جديد
وحتى اليوم ما زال لهذا الطفل مكانة خاصة جداً في قلبي، ودائماً ما أتذكّره، لأنه أحدث تغييراً كبيراً جداً في حياتي… كمهرّج طبي، وكإنسان.